الخميس، 4 ديسمبر 2014

علاقة علم الصوتيات باللغة العربية

جامعة مصر للعلوم والتكنلوجيا
 كلية الأعلام /عربي
مادة : صوتيات

موضوع البحث :

  علاقة علم الصوتيات باللغة العربية
مقدم للدكتور :
حسن المدني
                                      





                                       
علم الأصوات phoneties
هودراسة اصوات اللغة وقد اطلق بعض اللغويين مصطلح phonology ويريدون به دراسة التغيرات والتحولاات التي تحدث في اصوات اللغة ونتيجة تطورها
ويرى ماريوباي ان علم الاصوات العام ينبغي ان يعرف على انه العلم الذي  يدرس ويحلل ويصنف الاصوات الكلامية  من غير اشارة الى تطورها التاريخي انما فقط بالإشارة الى كيفية انتاجها وانتقالها واستقبالها
وعلم الأصوات بهذا المعنى فرع من فروع علم الأصوات الوصفي وله أقسام عدة وهي علم الأصوات النطقي articulator phonetics
 وعلم الأصوات السمعي او الفيزيائي او الأكوستيكي acoustic phonetics
,وعلم دراسة الأصوات الإنتاجي genetic phonetics
ويعد علم الأصوات الذي يدرس أصوات اللغة فرعا من فروع اللغة ولكنه يختلف عن الفروع الأخرى لأنه يدرس اللغة المنطوقة فقط التي تعد هدفاً لعلم الأصوات  دون أشكال الاتصال الأخرى  المنظمة كاللغة المكتوبة  ورموز الصم والبكم والحركات الجسدية  والأشارية وغيرها من الرموز والحركات  والهيئات التي تؤدي الى دلالات  اتصالية بين افراد المجتمع
ومن ثم فعلم الأصوات لا يهتم إلا بالتعبير اللغوي دون المضمون الذي يقوم تحليله على القواعد والمعجم
فعلم الأصوات هو فرع من فروع علم اللغة العام  والكلام هو وسيلة الاتصال الأولى المستخدمة عالمياً  في التواصل
لعلَّ من الأمور المتعارف عليها عن منهج النحوي العربي القديم أنه كان لا يدع مسألة نحوية تمرّ إلا بعد أن يوجهها، ويعللّها بما يناسب المذهب النحوي الذي يؤمن به، وهذا أمر طبيعي؛ لأن من طبيعة الإنسان أن يسأل عن السبب ويستقصي العلة؛ ولهذا نظن أنَّ البحث البشري عن العلة والسؤال عنها قد وجد منذ اخذ النحاة يبحثون في مسائل النحو.
ولكن النحاة قد أسرفوا في القول بالعلة إلى الحد الذي جعلهم أحيانا ينسون أنَّ العرب نطقوا على سجيتهم، وأنَّ اللغة مجموعة من العادات الكلامية يمارسها الإنسان في مرحلة الطفولة المبكرة.
وهذه المغالاة في القول بالعلة، جعلت احدهم يسأل الخليل عن العلل التي يعتل بها في النحو، هل أخذها عن العرب أم اخترعها من نفسه، فأجاب بقوله « إنَّ العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقامت في عقولها علله، وان لم يتقل ذلك عنها، وعلّلت أنا بما عندي انه علة، لما عللته منه، فإنْ أكن أصبت العلَّة، فهو الذي التمست، فإن سنحت لغيري علَّة لما علَّلته من النحو، هي أليق مما ذكرت بالمعلول، فليأت بها »(١)
وبحثنا هذا يتناول العوامل الصوتية التي استعملها علماء العربية القدامى في دراسة موضوعات النحو. وقد قصرنا جهدنا على دراسة علل: المجاورة، والشيوع، و السهولة، والتقاء الساكنين؛ بوصفها أكثر العلل التي استعملها النحاة في تفسير مسائل النحو، مستفيدين مما توصل إليه علم اللغة الحديث من نتائج دراسته الخصائص العامة للغات، ولاسيما موضوع المقاطع الصوتية.
والبحث بعد هذا يأتي دعوة إلى أساتذة النحو في أن يفيدوا من علم الأصوات، وهم يلقون محاضراتهم على طلابهم.

علماء العربية وعلم الأصوات

لقد درس علماء العربية من النحاة والقرّاء علم الأصوات، ولكنَّ النحاة قد سبقوا القراء في هذا المجال، بمعنى أنَّ علم الأصوات كان في بدايته من اهتمام واختصاص النحاة، ثم أصبح فيما بعد من اختصاص المشتغلين في مجال القراءات القرآنية(٢)، وآية ذلك أنَّ كتاب سيبويه – وهو أول كتاب نحوي وصل إلينا – كانت الدراسة الصوتية مبثوثة في ثناياه، بل أننا نجد سيبويه يخصص الجزء الرابع من مؤلفه للحديث عن موضوعات هذا العلم.
ونحن نظنُّ أنَّ نحاة البصرة الأوائل: عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي (ت127 هـ)، وعيسى بن عمر (ت 149 هـ)، وأبا عمرو بن العلاء (ت 154 هـ) هم أول من عرض لهذه الدراسة، فوضعوا ملاحظات واصطلاحات أعانت الخليل على النهوض بأعباء هذه الدراسة الفتية، فكانت نواة علم الأصوات الذي بناه، وثبت دعائمه الخليل بما ورثه عن أسلافه وما زاده هو بفضل ذكائه وفطنته. كل ذلك جعل الدارسين المحدثين يعدونه رائد الدراسة الصوتية عند العرب، والواضع الأول لأصولها.(3)
وعلى أية حال، فإنَّ أصول وأبحاث علم الأصوات لم تستقر إلا على يد ابن جني (ت 392 هـ)؛ فقد اتصفت الدراسات الصوتية عنده بالدقة وقوة الملاحظة وصحة الأحكام، وكان لكتابيه: الخصائص، وسر صناعة الأعراب الأثر الكبير في توجيه الدراسة الصوتية العربية وجهتها الصحيحة (4).
وكثيرون هم الذين تحدثوا عن علم الأصوات من علماء العربية القدامى، و لا نغالي إذا قلنا: انه لا يكاد يخلو كتاب من كتب العربية القديمة، إلا وفيه قليل أو كثير يتصل بموضوعات هذا العلم، بل إننا نزعم أنَّ كل الكتب العربية اللغوية القديمة فيها حديث يتعلق بالدراسات الصوتية.
ولكنَّ الذين خدموا علم الأصوات، وأضافوا إليه جديدا كانوا قلة قليلة، وهم أربعة لغويين: الخليل، وسيبويه، والفرّاء، وابن جني. هؤلاء رواد البحث الصوتي عند العرب. وأما من جاء بعدهم فلم يأتوا بشيء ذي بال، لا لأن من جاء بعدهم لا يمتلكون العقلية التي تؤهلهم للخوض في هذا المجال، ولكنهم كانوا مصابين بما يمكن أن نسميه (مرض تقديس الشخصيات)، فأهل البصرة كانوا يرددون آراء الخليل وسيبويه، وأهل الكوفة يرددون آراء الفراء، وكأن على هؤلاء أن يقولوا، وعلى من جاء بعدهم أن يتأولوا، ويحسنوا التعليل، إن لم يكن تأويل أو تعليل الخليل أو سيبويه أو الفراء للمسألة كافيا. يقول الدكتور مهدي المخزومي « كان حسبهم أن يقول الخليل شيئا، فيتناولوه على انه قضية مسلمُ بها...»(5).
قلنا قبل قليل: إنَّ كل الكتب العربية اللغوية القديمة فيها قليل أو كثير يتصل بعلم الأصوات، وهذا يدل على اهتمام اللغويين العرب القدامى بدراسة الأصوات. واغلب الظن أن من أهم الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك هو اتصال علم الأصوات الوثيق بعلم القرآن الكريم، فضلا عن العلاقة الوثيقة بين علم الأصوات من جهة وعلمي النحو والصرف من جهة أخرى(6)؛ إذ يعد علم الأصوات مقدمة ضرورية لدراسة هذين العلمين، والعلاقة بينهما علاقة أخذ وعطاء، بل أنَّ العلاقة بين علم الأصوات من جهة، وعلمي النحو الصرف من جهة أخرى كالعلاقة بين مادة البناء والبناء نفسه.
ويقسم الدارسون المحدثون دراسة الصوت اللغوي على قسمين، قسم يسمى علم الأصوات العام، والقسم الآخر يسمى علم الأصوات التشكيلي (7). وعلماء العربية القدامى قد ركزوا جل اهتمامهم على دراسة موضوعات علم الأصوات العام، وأما ما يخص علم الأصوات التشكيلي، فقد ضربوا الصمت إزاءه، اللهم إلا إشارات تتعلق بظاهرة التنغيم (8) وردت في بعض الكتب العربية القديمة، مثل معاني القرآن للفراء (9)، وكتابي ابن جني الخصائص والمحتسب (10).
ولقد خلط الدكتور هادي نهر في احد كتبه بين موضوعي التنغيم والنبر، فأورد أمثلة من التنغيم، وأدخلها في باب النبر، وذكر أنَّ اللغويين العرب القدامى قد تنبهوا إلى ظاهرة النبر، وان النبر عندهم عنصر من عناصر تحديد المعنى (11). ونحن بدورنا نردد ما ذكره الأستاذ الفاضل، ونقول: نعم إن لموضوع النبر صلة قوية بموضوع الدلالة، غير أن اللغويين العرب لم يفطنوا لهذه الصلة، بل أنَّهم ما تحدثوا عن موضوع النبر، وليس في الكتب العربية القديمة إشارات تؤيد ما ذهب إليه هذا الباحث، وكل ما وصل إلينا عنهم أنهم كانوا أحيانًا يستعملون مصطلح النبر للدلالة على الهمز (12).

أهميَّة علم الأصوات

يشهد العالم – اليوم - تطوراً ملحوظاً في مختلف صنوف المعرفة، ولاسيما علم الأصوات، وأضحت قنوات الاتصال بين الشعوب سهلة يسيرة، حتى وصفوا العالم بأنه عبارة عن قرية صغيرة. وعلى الرغم من ذلك كله، فإنَّ الدراسات الصوتية في العراق ما تزال متخلفة؛ لأسباب معروفة.
ومن مظاهر تخلف هذه الدراسات في بلدنا أنَّ بعض دراسي العربية، من طلاب الجامعات وغيرهم، يجهلون ابسط المسائل التي تتصل بموضوعات هذا العلم؛ فهم مثلا لا يفرقون بين الهمزة والألف، وعندهم أنَّ الألف والهمزة اسمان لشيء واحد، وعندهم أن الألف حرف ساكن، إلى غير ذلك من المسائل التي يجهلونها. وأما الذين اتصلوا بموضوعات هذا العلم عن بعد، فيعدونه ترفا علميا، وقد أحسن الدكتور محمود السعران، حين وصف هؤلاء بقوله « أما التخصص في هذا العلم، فهو في رأيهم كالانصراف إلى جمع التحف الغريبة والطرف النادرة انصرافا لا يقصد من ورائه إلا إشباع لذة التملك، وإلا المباهاة والمفاخرة »(13).
وقد تنبه الدارسون المحدثون إلى هذه النظرة الخاطئة، وبينوا أن علم الأصوات هو الحجر الأساس لأية دراسة لغوية، فدعا بعضهم إلى تقديم الدراسة الصوتية على الدراسة النحوية والصرفية، وتوظيف الدراسات الصوتية في خدمة الدراسات النحوية والصرفية لأيَّة لغة، لكي يفهم الباحث أسرار تلك اللغة وخصائصها وظواهرها، ومن ثمَّ تكون دراسته لتلك اللغة دراسة علمية صحيحة، لا تقوم على الافتراض، وتستطيع أن تصمد طويلا أمام البحث العلمي. (14).
وهذا الضرب من الدراسات يتيح للدارس أن يقف على طبائع الأصوات وخصائصها، حين تتألف في كلمات، ويسهم إسهامًا كبيرًا في تفهمنا لطبيعة اللغة (15). ذلك أن هذه الدراسات تبين لنا أنَّ اللغة ليست كالقوانين الطبيعية ثابتة لا تتغير، وإنما هي تخضع للقواعد المطردة. وتبين لنا حقيقة أخرى هي أن هناك صورا من الاستعمال اللغوي تخالف القياس العام، أو القواعد المألوفة التي استقرت عند الدارسين، على أنها تمثل العربية الفصحى، وان هذه الصور مع مخالفتها لما نسميه باللغة النموذجية، إلا أنها تعد فصيحة.
ومن المعروف أن دراسة المقاطع من موضوعات علم الأصوات التشكيلي، ومعرفتنا لأنواع المقاطع المستعملة في اللغة العربية يسهل علينا الحكم على نسج الكلمة العربية، ومعرفة وما هو من ألفاظها، وما هو دخيل عليها، فالكلمة التي تتكون من مقطع من النوع الثاني ومقطعين من النوع الثالث ليست عربية، وكذلك الكلمة التي تتكون من مقطع من النوع الثالث ومقطعين من النوع الثاني ليست عربية (16).
يزاد على ذلك أنَّ الميل لنسج خاص من المقاطع قد يكون سببا في نشأة الكثير من الظواهر اللغوية، بل قد يكون السبب الرئيس في اختلاف لهجات اللغة الواحدة، من ذلك مثلا أن أهل الحجاز يقولون: بير، وان التميميين يقولون: بئر، وهذا يعني بطريقة المقاطع ان كلمة (بير) الحجازية تتكون من مقطع مفتوح زائداً مقطع مغلق، تتحول عند التميميين إلى مقطعين مغلقين، ومعنى ذلك أن لهجة تميم تميل إلى المقاطع المغلقة؛ لأن المقاطع المغلقة لا تتطلب التأني في النطق (17).
ويمكن للبحث العلمي في مجال الأصوات أن يجيب على كثير من الأسئلة التي تتصل بنحو اللغة العربية الفصحى وصرفها، أو تلك التي تتعلق باللهجات العربية القديمة أو القراءات القرآنية. هذا إلى أنَّ الدراسات الدلالية قد لا تكون مثمرة، ما لم تركز على دراسة الصور الصوتية و التنغيمية (18).
ونحن التزاما بموضوع البحث سندرس العوامل الصوتية التي استعملها النحاة في تفسير قضايا النحو، وسنكتفي بدراسة علل: المجاورة، والشيوع، والسهولة، والتقاء الساكنين، تاركين لغيرنا الأطناب فيما أوجزنا فيه القول، بل وسد النقص الحاصل فيه بدراسة ظواهر أخرى كالأتباع وموسيقى الكلام.

أهمية علم الأصوات بالنسبة إلى مستويات التحليل اللغوي
تعد الدراسة الصوتية ممهدة للدراسة الصرفية والنحوية والدلالية والمعجمية، فمباحث الصرف مثلا مبنية في أساسها
على ما يقرره علم الأصوات من حقائق ونتائج. كما أنه لا وجود لعلم الصرف بدون علم الأصوات، ومثله علم النحو وعلم
الدلالة والمفردات والمعجم.
فإذا جئنا إلى المستوى الصرفي وجدنا الوحدات الصوتية تدخل في بناء الوحدات الصرفية، كما تلعب دورا هاما في
عملية تصر يف الأسماء والأفعال، كبناء صيغة الفعل للمعلوم واĐهول، (فـَع َل َ ) و (فُعِل َ ) حيث لا يفرق بينهما سوى وحدات
صوتية، هي الصوائت القصيرة، وأحيانا نجد الوحدة الصوتية نفسها وحدة صرفية، تسهم في تحديد الصيغة الصرفية المطلوبة نحو
صيغة ا لجمع في مثل كلمة (م ُس ْ لِمونْ)، التي مفردها (م ُس ْ لِم ٌ ) حيث لا يفرق بينهما سمو الطول في الصوت الصائت الضمة،
التي أبدلت بالواو الصائتة، فكان هذا الصوت لوحده سببا في بناء الصيغة الصرفية للكلمة.
وكذلك الدراسة النحوية لا تتم في صورēا المثلى دون الاعتماد على الأصوات، فالتنغيم مثلا يلعب دورا هاما في
تحديد أنماط الجمل من خبر وانشاء، ومثال ذلك أنك متى نطقت بعض الجمل وغيرت نغمة الكلام تغير المعنى، نحو جملة
(سافر محمد) والتي إن نطقتها بنغمة هابطة أدت معنى الإخبار، وكان نمط الجملة خبريا، وأما إذا نطقتها بنغمة صاعدة، تغير
المعنى إما إلى الاستفهام أو التعجب بسب ما يفهم من طريقة نطق السامع، ومن هنا كان للتنغيم أثر في تحديد نمط الجملة
النحوي. وكذلك النبر الذي يدخل ضمن عناصر الدراسة النحوية، إضافة إلى الوقف والابتداء اللذان يلعبان دورا في تحديد
نمط الجملة وتخصيص عناصرها.
أما بالنسبة للمستوى الدلالي، فأنك إذا جئت إلى جانب الدراسات المعجمية وتمعنت في العديد من مفردات العربية
وجدت أن الصوت اللغوي المفرد يسهم في إثراء المعجم العربي بشكل مباشر، فإذا نظرت إلى الكلمات ا لثلاث الآتية، ( بـ ُ رٌّ ،
بِرٌّ، ب ـ َ رٌّ) وجدت أن الوحدات الصوتية الثلاث (الفتحة والكسرة والضمة) وهي أصوات صائتة قصيرة، قد تدخلت بما لا يمكن
اعتبارها زوائدا بل أصولا أصيلة في بناء الوحدة المعجمية.  ومن كل ماسبق يتضح ان علم الأصوات الذي يدرس أصوات اللغة فرعا من فروع اللغة ولكنه يختلف عن الفروع الأخرى لأنه يدرس اللغة المنطوقة فقط التي تعد هدفاً لعلم الأصوات  دون أشكال الاتصال الأخرى 

المراجع :
 - كتاب جماليات الصوت اللغوي ,دكتور علي السيد يونس
- كتاب أصوات اللغة دكتور محمود عكاشة
- جامعة اهل البيت , العراق , بحث  بعنوان أهمية علم الأصوات في تعليل مسائل النحو  على الصفحة الرسمية لموقع الجامعة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق